النفط الجديد الذي تتسابق عليه الدول ويمكنك امتلاكه!

في أحد الأيام قرأت كتاب الأب الغني والأب الفقير لروبرت كيوساكي، وبعد قرائتي له كنت ناقمًا على وضعي المعيشي آنذاك. تمنيت لو أني لم أكمل مسيرتي التعليمية وبدأت في سن مبكرة ممارسة التجارة التي سوف تدر عليّ مئات الآلاف دون أن أقيّد في مكان العمل، الذي يلزمني بالتواجد منذ الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا!

أعترف بأنه من أقوى الكتب تأثيرًا عليّ في الجانب المالي، ولكني لم أدرك أنه كتاب يعكس زمنًا مختلفًا عن الزمن الذي أعيش فيه حاليًا. فقد تعلمت، بعد عدة تجارب أثناء الوظيفة التي هي بعيدة كل البعد عن صلب تخصصي الدراسي، أني أهرول عبثًا خلف سرابٍ لا يمكنني العثور عليه.

مع مرور الأيام، فطنت إلى أن المهارات الدقيقة المتخصصة واكتسابها عن طريق التعلم المستمر هي المولد الحقيقي للثروات في ظل ما يُدعى بـ«الاقتصاد المعرفي».

يمكن القول إنه استثمار في تطوير القدرات البشرية، ودفعها بقوة في بيئة العمل التنافسية عن طريق التخصصات الدقيقة التي لا يمكن الاستغناء عنها، حتى في ظل وجود الذكاء الاصطناعي، الذي ما زال يلقي بظلاله على منظمات العمل ويثير رعب الموظفين.

ولأني كنت محظوظًا لأن أواكب الدراسة في عصرها الحالي في دراستي للماجستير التنفيذي، حيث شهدت تمازج المعرفة والتقنية معًا والتي هي أبرز ملامحها «الإنترنت» فما هو الاقتصاد المعرفي؟

بحسب تعريف البنك الدولي فإن الاقتصاد المعرفي هو:

«الاقتصاد الذي يعتمد على اكتساب المعرفة وتوليدها ونشرها واستثمارها بفعالية، لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متسارعة».

العصر المعرفي الذي نعيش فيه اليوم يعتمد تمامًا على تطوير القدرات البشرية. فهو لا يهدف إلى تعبئة البشر في المصانع كما هو الحال في العصر الصناعي، إنما هو مفهوم يندرج تحته هضم العلوم وتفسيرها ونشرها، بالإضافة إلى خلق معرفة إضافية وتراكم مستمر من الخبرات من شأنها تحويل هذه المعرفة لمنتج ذي قيمة عالية.

مما يعني اقتصادًا جديدًا تُبنى فيه الثروات عبر مفهومي «الإبداع والابتكار»، من أجل منتج بإمكانه خدمة العالم بأسره، وليس المجتمع الضيق فقط.

ولا يمكن أن يكون هناك عصرٌ معرفيٌ ما لم تتظافر فيه الجهود بين المؤسسات الأكاديمية، والشركات التي تهتم بأمور البحث والتطوير، والشراكة مع القطاع الخاص في استقطاب الكفاءات مع التدريب المهني والتقني، وإغراء المستثمرين من أجل دعم الاقتصاد المحلي، فالمملكة العربية السعودية تسعى جاهدة في تنويع اقتصاداتها غير النفطية ليكون مفهوم الاقتصاد المعرفي اليوم يشكل ما نسبته 70 %  من برامج الرؤية.

والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» هي أحد أبرز المشاريع الناشئة من برامج رؤية المملكة العربية السعودية لاقتصاد ما بعد النفط، حيث من المتوقع أن تساهم في الإنتاج المحلي ما نسبته 12.4% ، وكذلك صدور الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية فهي الأخرى ستساهم في خلق 11 ألف وظيفة في سنة 2030 م و 55 ألف وظيفة في سنة 2040 م مع زيادة الإنتاج المحلي بنسبة 3% أو ما يعادل 130 مليار ريال سعودي.

ولأجل أن تكون هناك بيئة آمنة للإبتكار والإبداع نجحت الهيئة الملكية الفكرية في المملكة عام 2023 م بتسجيل 2718 براءة اختراع بنسبة زيادة 21% مقارنة بعام 2022 م.

فمن أجل نجاح الاقتصاد المعرفي مستقبلًا يجب أن نولي أهمية مطلقة للعلوم المعرفية التي تساهم في زيادة الناتج المحلي عن طريق خلق المنتجات التي بدورها تحقق نجاح رؤية المملكة العربية السعودية 2030 م في صناعاتها غير النفطية المختلفة، مثل التخصصات التي تشمل (الذكاء الصناعي، والتقنية، والاتصالات، علم البيانات، وتعليم الآلة، والتعلم العميق) وهذا الأمر بالإمكان تحقيقه مع أعمار المواطنين السعوديين الذين يشكلون ما نسبته 65% ما دون 35 سنة.

وهنا، يجب أن ألفت نظرك للأصول غير الملموسة عبر فضاء الإنترنت والتطبيقات. فشركة Uber لا تملك سيارةً واحدة! وشركة Airbnb لا توفر غرفة باسمها! وشركة جاهز Jahz ليس لديها مطعم! وتطبيق سلة Salla لا يملك متجرًا يبيع فيه! كل هذه النماذج العالمية والمحلية تندرج تحت نطاق اقتصاد المعرفة، الذي يولي أهمية كبرى للتعليم كونه المكون الرئيسي للثروات في السنوات القادمة.

ومن أجل ذلك، فإني أشدُّ من أزرك في اختيار أحد التخصصات المستقبلية، والتي بدورها ستجعلك تعيش حياة مهنية زاخرة بالعلم والمال أيضًا، متى ما أحسنتَ الاختيار.

Scroll to Top