حينما تذهب لعملك فأنت لا تحمل خلفك مشاعر سعيدة كل يوم، بل تأتي منك أيام تتمكن منك وتدعك أسير مزاج متعكر لفترة غير قليلة من الوقت بسبب (مشاكل أسرية، أو صحية، أو نقص في النوم، أو مطالب مالية … إلى آخره).
تخيل أن يلاحظ أحدهم ذلك فيك ولنقل مديرك المباشر، من ثمّ يدعوك لمكتبه ومقدمًا لك كوب من القهوة، أو أن يأخذك في جولة مشي سريعة حول المكاتب المفترقة في أرجاء المكان، ويتماهى مع مشاعرك بالفعل دون أحكامٍ مسبقةٍ والتي لن تعنيه لا من قريب أو بعيد..
فقط يتفقد أحوالك ويفهم مشاعرك وفقًا لما قد مر فيه من تجارب سابقة ويخبرك بأنها (بسيطة وتنحل!) بل يذهب لأبعد من ذلك في أن يزيل عن كاهلك بعض من الأعمال المضنية ويجعلك تنصرف في ذلك اليوم مبكرًا لتكون أكثر نشاطًا في يومك التالي للعمل.
هذا الوصف يطبقه بالفعل بعض المدراء الذين يعرفون جيدًا أهمية الذكاء العاطفي في منظومات العمل وانعكاسها المباشر في المخرجات النهائية لمجموع الأفراد في مثل هذه المؤسسات المهنية.
للذكاء العاطفي أهمية كبيرة للأفراد في بيئات العمل المختلفة، كونها تتفهم مشاعرك في المقام الأول من ثم شعور الاخرين حولك ثانيًا، وذلك لتحقيق الرضى الوظيفي مما سيساهم بشكل إيجابي في الممارسة العملية على أرض الميدان.
تعريف الذكاء العاطفي:
هي القدرة على فهم وإدارة مشاعرك الذاتية، بالاضافة إلى التعرف على مشاعر من هم حولك، والمؤثرات التي تقع عليهم، شهد أول ظهور لمصطلح الذكاء العاطفي في العام ١٩٦٤م، ولكنها أشتهرت لاحقا بشكل أكثر زخمًا عن طريق عالم النفس دانيال غولمان من خلال كتابه (الذكاء العاطفي) وذلك في العام ١٩٩٥ م.
يقول غولمان : القادة الأكثر تأثيرًا متشابهون بطريقة واحدة محددة وحاسمة ذلك بأن لديهم جميعًا درجة عالية مما يعرف بالذكاء العاطفي.
يتكون الذكاء العاطفي من ٤ مهارات أساسية تندرج تحت كفائتين أساسيتين هما (الكفاءة الشخصية، والكفاءة الاجتماعية) وهي:
1- الوعي الذاتي
2- إدارة الذات
3- الوعي الاجتماعي
4- إدارة العلاقات
أ) الكفاءة الشخصية:
وهي قدرتك على البقاء بدراية كاملة بمشاعرك الخاصة، وإدارة كلًا من سلوكك وميولك الخاصتين، وتشمل مفهومين من المهارات الأساسية هما (الواعي الذاتي، والادارة الذاتية):
– الوعي الذاتي :
هي ليست كما تظن في البداية كأن تعرف جوانب ضعفك وقوتك فقط، ولكنها أيضا معرفة مشاعرك الخاصة بتأثيراتها عليك وعلى من هم حولك ففي دراسة لعالمة النفس «ناشا يوريخ» وهي المهتمة في العلوم التنظيمية في الإدارة، تقول بأن ما نسبته ٩٥٪ من الناس يظنون بأن لديهم ذكاءًا عاطفيًا، بينما في الحقيقة ١٠-١٥٪ فقط من يملك هذا الذكاء العاطفي، وهذا الظن الخاطئ هو ما ينشئ الخلافات بزيادة نسب حدوثها، وتبديد الجهود المبذولة من قبل المدراء ومن هم تحت طائلة إدارتهم.
فمن طرق زيادة وعيك الذاتية هو سعيك بالطلب الشخصي في تلقي النقد والملاحظات على آدائك الخاص وتحسينها سواء من قبل (المدراء الأعلى مرتبة، أو أقرانك القريبين منك) بهذه الطريقة سوف تلقي نظرة عميقة لسلوكك الذاتي، ومعرفة وجهة نظرك منظومة العمل تجاهك مما سيسهم في تطورك مهاراتك في الذكاء العاطفي وذلك كنتيجة ثانوية.
– الإدارة الذاتية:
هي القدرة على ضبط عواطفك الإيجابية خاصة في المواقف العصيبة، وذلك على الرغم من النكسات والظروف الصعبة إذا لم تكن كذلك ستواجه صعوبة في الحفاظ على دوافعك والسيطرة عليها، ردود الأفعال إن كانت بتلقائية واستجابة مرينتين دون أعصاب مشدودة يعني إنضباطًا أكبر في الذكاء العاطفي، ولكن عليك أن تتذكر بأنك بشر وتحتاج بشدة من وقت للآخر أن تتراجع خطوة للخلف والتوقف لأخذ نفس عميق، لكي تجمع ذاتك وتديرها بشكل جيد، كأن تتحدث مع صديق لك، أو أن تقوم برياضة المشي مثلًا، سوف تساعدك مثل هذه الممارسات في لملمة شؤونك الخاصة والرجوع من جديد لإدارة ذاتك والآخرين عاطفيًا وبشكل أفضل.
ب) الكفاءة الاجتماعية:
وهي قدرتك على فهم سلوك الاخرين ودوافعهم، من أجل الاستجابة لهم بشكل فعّال ومرن، مع تحسين جودة العلاقات معهم، وتشمل مفهومين من المهارات الأساسية هما (الوعي الإجتماعي، وإدارة العلاقات)
– الوعي الإجتماعي:
هذه المهارة تعني التعرف على مشاعر الاخرين والشكل الديناميكي داخل المؤسسة المهنية، فالقادة المتفوقون الذين يمارسون (العاطفة) يسعون جاهدين لمعرفة وفهم مشاعر ووجهات نظر زملائهم، مما يمكنهم من زيادة سبل وتعزيز التواصل فيها بينهم داخل المنظومة المهنية، ففي دراسة للشركة العالمية لتطوير القيادات العالمية تشير بأن القادة المتسمين بصفة العاطفة يؤدون أكثر بما نسبته ٤٠٪ في الأمور الادارية، والتدريبية، وعمليات صنع القرار كلما كانت خصلة الذكاء الاجتماعي ملازمة لك كقائد مهني يعني دعم للفريق الذي تقوده، وبالإضافة إلى ذلك نجاح يحسب في رصيدك يؤدي إلى تطورك الخاص في سلم الإدارة المهنية.
– إدارة العلاقات:
هذه المهارة تعني قدرتك كقائد مهني في التأثير على الآخرين، وتدريبهم، وتوجيههم، وحل النزاعات معهم وذلك بشكل ملهم وفعال، ينبغي الإشارة بأن النقد والخلافات في إطار المنظومة المهنية، لا ينبغي تجنبها، بل مواجهتها وحلها، لأن كل مشكلة يتم تجاهلها يعني ٨ ساعات من العمل تضيع في القيل والقال، و قلة في الانتاجية ، و إستنزاف كبير للموارد، وتسرب أعداد الموظفين خارج المنظومة المهنية، ففي دراسة لجمعية الموارد البشرية أشارت التعامل المحترم في الإدارة مع جميع الموظفين، وعلى جميع الأصعدة تعتبر العامل الرئيسي في الرضى الوظيفي بما نسبته ٧٢٪.
للذكاء العاطفي أهمية كبيرة داخل الادارة المهنية، عليك كقائد في القطاع المهني أو موظف يسعى للتطور المستمر في تنميتها، والشعور بها على نحو يمكنك من تطوير ذاتك والاخرين على حد سواء، مما سيسهم في زيادة أسهمك ادخل المنظومة المهنية، وبالتالي علاقات مستدامة مع الأفراد والقيادات العليا تجعلك مؤهلا لاستلام زمام أمور أكبر وأكثر تعقيدا.
المصادر:
ترشيحات النشرة
نرشّح لك هذه الحلقة من بودكاست حقيبة، والتي تناقش موضوع مهم جداً وهو العلاقات المهنية وكيفية التقدم الوظيفي والنضج في بيئة العمل مع خطوات عملية تمكنك من تطوير نفسك بفعالية. الذكاء العاطفي: دليلك الشامل للنجاح في العمل | بودكاست حقيبة.