كيف دفنّا هويات بعضنا البعض؟

في إحدى المناسبات الاجتماعية، وعند اكتمال العدد، استهلّ الداعي بالترحيب، ثم بدأ بتقديم الحضور. بدأنا بأبي باسم -لأنه الأكبر سنًا بطبيعة الحال-.
أبو باسم متقاعد، كان يعمل في التعليم، ثم تلاه أبو خالد، الذي كان ضابطًا في المرور. توالت الأسماء وتغيّرت، ولكن الثابت الوحيد هو تعريفهم بالمهنة فقط!

هذا المشهد ليس جديدًا، فقد لاحظته يتكرر دائمًا في مناسبات اجتماعية وعائلية مختلفة. قد يكون الأمر طبيعيًا إذا كان اللقاء في شركة أو على غداء عمل، ولكن في سياق اجتماعي أو عائلي، ألا يبدو ذلك اختزالًا غير منصف؟

كما قال ستيف جوبز: «الإنسان ليس مجرد محاسب، أو طبيب، أو مهندس. إنه كون متعدد الأبعاد، يملك القدرة على التأثير والإبداع في عدة مجالات من الحياة.»

لكن لماذا نقيّد الإنسان بتعريف مهني فقط؟

عامر، الذي يُعتبر بطلاً رياضيًا وعدّاءً مميزًا، لماذا نقدمه فقط كموظف في البنك؟
وخالد، الذي يحمل شغفًا لنشر المعرفة وصناعة المحتوى، لماذا نختزله كطبيب؟
حتى أبي باسم، الذي تقاعد منذ سنوات، ما زلنا نُعرّفه بمهنته السابقة، وكأن حياته توقفت عند تلك اللحظة.
وماذا عن مالك ومحمد وأحمد؟ دفنّا كل الجوانب الشخصية فيهم، باستثناء وظائفهم.

الهوية الإنسانية أكثر من مجرد مهنة، فالإنسان كيان غني ومتشابك، يتكون من جوانب عديدة تتفاعل مع بعضها لتُشكّل هويته.
هناك الجانب الفكري، والعقدي، والاجتماعي، والعلمي، والرياضي، وبالطبع المهني، وغيرها.

كل هذه الجوانب مثل الأوتار التي تُعزف عليها سيمفونية حياة الإنسان، فكيف يمكننا تجاهل كل هذه الأوتار والتركيز على وتر واحد فقط؟!

لكن يبقى السؤال: لماذا نميل إلى هذا السلوك؟
قد لا تكون الإجابة بسيطة أو قطعية، لكن هناك بعض الأسباب التي قد تفسر الأمر:

الاعتبارات الاقتصادية
في ظل تغلغل الرأسمالية في مجتمعنا، قد يبدو النجاح المالي والاستقرار الاقتصادي وكأنه مقياس لقيمة الشخص. لذا، نعرّف الأفراد بمهنهم كوسيلة لقياس مكانتهم، وهذا قد يكون انعكاسًا لفهمنا المادي للأشياء.

القواعد الاجتماعية وطريقة التعامل
ربما نلجأ إلى تعريف الأشخاص بمهنهم لتسهيل فهم طريقة التعامل معهم. فإذا كان الشخص ذا منصب رفيع، نُظهر له الاحترام الأكبر، وإذا كان ذا مهنة متواضعة، قد نقلل من اهتمامنا به. هذا السلوك، رغم شيوعه، يفتقر الاحترام والتقدير.

طرق التواصل والحوار
في التفاعلات الاجتماعية السريعة، قد يكون التعريف المهني وسيلة عملية لإيجاد نقاط مشتركة أو فهم خلفية الشخص. لكن ألا يُفقدنا هذا السلوك فرصة التعرف على أبعاد أعمق لشخصيات من نلتقي بهم؟

قد يكون تعريفنا للناس بمهنهم أمرًا يسيرًا ومريحًا، لكنه يغفل طبيعة الإنسان متعددة الأوجه. صحيح أن المهنة جزء مهم من الهوية، لكنها ليست كل شيء. هناك قصص وأفكار وأحلام وتجارب تشكّل الإنسان، وهي تستحق أن تُرى وتُحترم.

أظن بأننا نحتاج إلى إعادة التفكير في طريقة تقديم الآخرين، خصوصًا في السياقات الاجتماعية. كما قال غاندي: «عندما نلتقي بالآخرين، لا نقابل مهنهم، بل نقابل أرواحهم وخبراتهم وقصصهم.»

لذلك، دعونا نحاول أن نرى الأشخاص من خلال عدسةٍ أوسع، تتجاوز حدود الوظيفة، لتكشف لنا عن عوالمهم وثرائهم الإنساني.

وأنت، ما رأيك في الموضوع؟ يسعدني سماع وجهة نظرك.

Scroll to Top