في مشهد من فيلم ما «عزيزي المختلف✨»، استيقظ سكان عاصمة البلاد الذين يبلغ عددهم عشرة ملايين نسمة ليجدوا أنفسهم بلا وظائف. ناموا على واقع واستيقظوا على آخر؛ حرب اندلعت في وسط البلاد بين فصائل من الجيش، وتغير كل شيء بعدها. شلل تام، ظلام دامس، واتجاه إلى المجهول. لا تعليم، لا مدارس، لا جامعات، لا وظائف.
الجميع أصبحوا عاطلين عن العمل. طريق العمل المألوف أصبح من الماضي؛ زملاؤك، المدير المجنون، الراتب الذي لم يكن يعجبك، وزحمة الطريق التي كنت تتأفف منها. كل شيء انتهى والجميع باتوا بلا عمل.
ربما تتساءل عن اسم الفيلم «عزيزي المختلف✨»، أليس كذلك؟ للأسف، هذا ليس فيلمًا سينمائيًا ولا مشهدًا من مسلسل، بل هو الواقع الذي استيقظت عليه العاصمة السودانية الخرطوم وكل سكانها صباح السبت 15 أبريل 2023، السبت الذي لم يأتي بعده أحد. ما زلنا لما يقارب العامين ننتظر أن تشرق شمس ذلك الأحد ونصحو لنتأكد أننا كنا نحلم بكابوس، لكن هيهات.
بدأ بعدها السودانيون أكبر رحلة نزوح من ويلات الحرب. فتجد في سودان ما بعد الحرب المهندس يقود التوك توك، والطبيب يبيع الطعمية (الفلافل)، ودكتور الجامعة يعمل كعامل بناء. هؤلاء هم الأكثر حظًا مقارنة بمن لم يجد عملًا يسد به احتياجاته. الآلاف يعيشون في مباني المدارس والجامعات التي تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين. قرى السودان في الشرق والشمال والجنوب فتحت أبوابها، واقتسم أهلها القليل الموجود بطيبة نفس، في تجسيد لكرم أهل السودان الذي كان يومًا سلة غذاء العالم.
العمر هنا مجرد رقم. تجد أشخاصًا في بداية العشرينيات من العمر أو أقل عاشوا تجارب تشيب لها الرؤوس، وحملوا المسؤولية منذ وقت مبكر. حاربوا الحياة من أجل لقمة العيش لهم ولمن يعولون. أنهكتهم الحياة، لكن لا يوجد وقت للبكاء أو الراحة. نزوح، حرب، مسؤوليات، إيجار، مصاريف.
لقد كان فضل الله علينا كبيرًا؛ تشتت السودانيون في أرجاء المعمورة ليزهروا في أماكن أخرى لم يكونوا ليصلوا إليها لولا هذه الظروف. ورغم الظروف القاسية، «عزيزي المختلف✨»، ما زال الأمل داخل كل السودانيين.
أتذكر هنا مقولة ابن خلدون في كتاب المقدمة: «الأوقات الصعبة تصنع رجالًا أقوياء، والرجال الأقوياء يصنعون أوقات الرخاء.»
كلنا أمل أن السنوات الصعبة التي عاشها السودان ستنتج رجالًا أقوياء عاشوا مرارات الحرب والنزوح، ليصنعوا سودان الرخاء القادم بإذن الله، سودانًا يسع الجميع.
ترشيحات النشرة
في العطالة معاناة لا يدركها حقًا إلا من ذاق مرارتها، خاصة لمن لا يطيق الجمود أو الركود! في هذه الحلقة، يشاركنا مخلف الزيدان قصصه الشيّقة عن التنقل بين العمل والعطالة، والتحديات التي واجهها، والدروس العميقة التي استخلصها من تلك التجارب، مشاهدة مثرية. معاناة العاطلين التي لا يعرفها الموظفون مع مخلف الزيدان | بودكاست بترولي