تخيل أنك تصعد جبلًا شاهقًا وكل خطوة تخطوها تقربك ولو جزءًا يسيرًا من القمة ولكن المسار لا يبدو وديعًا وجميلًا من الخارج بشكله الأّخاذ حيث أنّه مليئ بالتحديات والصعاب التي لا مثيل لها، فما إن تحاول الصعود في البدايات إلّا وتتبخر أمانيك في خوض تحدٍ سهل المراس، ثم يأتيك اليقين بصعوبة مهمتك قطعًا.
تأخُذ نفسًا عميقًا وتخطط جيدًا لخطوتك التالية فتستعين برأي الخبراء وتعرف كيف تشحذ نقاط قوتك وتوجهها في مسارها الصحيح ومع مرور الأيام يصبح الصعب سهلًا ولا يعدو كونها خطوة تفضي لأخر، فتتكيف مع مجمل هذه المصاعب وتستجيب لضغوطاتها بإيجابية وروحٍ متقدٍة للنجاح.
الحياة المهنية تتطلب منك إدارة نفسك بفعالية، والوعي الشديد بقدراتك الكامنة وحدودها أيضا، والتفكير العميق في أفعالك بشكل موجّه ومدروس وليس خبط عشواء دون قائد لها، حيث من الأهمية بمكان تنظيم وقتك وجهدك على مدار اليوم.
قبل أن تقوم بغمار رحلة إدارة الاخرين في القطاع المهني عليك أن تقف للحظات لتسأل نفسك، هل بمقدوري إدارة «ذاتي» في المقام الأول قبل إدارة الآخرين؟
يقول الكاتب «ستيفن كوفي» متحدثًا عن إدارة الذات:
«إدارة الذات هي أن أبرمج بوصلة حياتي في أي إتجاه أريد أن أسير.»
ما هو مفهوم إدارة الذات؟
قبل أن نعرّج عن إدارة الذات، بمقدورنا تعريفها على النحو الآتي:
إدارة الذات هي قدرة الفرد على توجيه مشاعره، وأفكاره، وإمكانياته، وسلوكه نحو الأهداف التي يصبو لتحقيقها، وذلك بشكل واع ومنتج.
في المجتمع المهني من المهم أن يكون القائد ملتزم بإدارة ذاته الخاصة، لأن منصبه أيًا كان الذي يتبوأه يستلزم منه قدرة كافية على التحكم الانفعالي بالمشاعر، والأفعال، وكل ذلك يكون من خلال المعرفة الحقيقة بالذات، ولأن القطاع المهني بطبيعته فيه الكثير من التحديات المتعقلة بإدارة الأزمات، والكوارث، وخطط الطوارئ، والتي تستدعي وجود قائد يمكنه السيطرة على ذاته قبل إدارة من هم تحت سلطته كقائد.
في محاضرة للارس سودمان على منصة «تيد اكس» التعليمية وهو المتحدث والمدرب في القيادة الاستراتيجية بعنوان (الادارة العظيمة تبدأ من إدارة الذات) أشار بأن هناك ثلاث طرق فعالة لادارة الذات يذكرها:
أولًا) الوعي الذاتي: ويقصد بها التحقق من السمات الشخصية.
اعط نفسك مقياسًا (١-١٠) لنفسك من وقت لآخر لكل أمر تقوم به واسع للتحسن في كل مرة في مجالك كقائد في المجال المهني.
ثانيًا) الانعكاس الذاتي: ويقصد بها تحقيق الانجازات الذاتية.
قبل الخلود إلى النوم أو في الصباح الباكر، اسأل نفسك عن ماهية الانجازات والتحديات التي حققتها كقائد في المجال المهني؟ أو تلك التي توشك على تحقيقها، وإن كنت قد أدرتها بكفاءةٍ كافية، هذه الأسئلة ستعزز من قوة عاطفتك الذاتية ومعرفة حجم إنجازك مما سينعكس على ذاتك في التطور والتحسين داخل المنظومة المهنية.
ثالثًا) التنظيم الذاتي: ويقصد بها إعادة ترتيب الأوراق.
في مقياس من (١-١٠) ما هو الأمر الذي يستدعي تدخلك الفوري، إن كان على المقياس ١٠ قم بالتدخل والبت في قرار عاجل، أما إن كان في المقياس ١ يمكنك تأجيله لوقتٍ آخر بتركها أو تفويضها لمن يستطيع القيام بها.
المربع الأول:
هام جدًا وعاجل هذه أمور تفرض نفسها علينا، فهي هامة جدًا، لابد من عملها ولكنها عاجلة لا يمكن تأخيرها إلى وقت آخر. ومن أمثلة ذلك: المسؤوليات الادارية مثل إدارة نقص الموظفين التي يجب أداؤها على وجه السرعة.
المربع الثاني:
هام جدًا وغير عاجل هذه أمور هامة جدًا ومطلوب إنجازها ومتابعتها ولكنها غير عاجلة، ولذلك يمكن تأجيلها وتأخيرها والتسويف في عدم مباشرتها. ومن أمثلة ذلك: تحديد أهدافك الادارية، التخطيط لحضور ورش عمل وندوات تعليمية في ما يعنى بالشئون الادارية في المهنة.
المربع الثالث:
غير مهم وعاجل ويندرج في هذا المربع جميع المهام والمسؤوليات الضرورية التي تعتبر أقل أهمية من المربع الأول، ولكن لها صفة الاستعجال، ومن ثم فإن هناك ضغوطًا علينا لمباشرتها وإنجازها. و من أمثلة ذلك: إعداد قائمة محدثة ببيانات المستفيدين لقياس حجم العمل داخل المؤسسة المهنية وتفويضها للمشرفين من أجل متابعتها من قبلهم.
المربع الرابع:
ضروري وغير عاجل ويندرج في هذا المربع جميع المهام والمسؤوليات الضرورية والتي يمكن تأجيلها، والتسويف في عدم مباشرتها، ومن أمثلة ذلك: إعداد الميزانية المطلوبة بعد شهر، القراءة المستمرة في مجال التخصص في الادارة المهنية، موعد مقابلة رئيس قسم بعد فترة زمنية بعيدة.
يقول دي هوك المؤسس لشركة ڤيزا: إذا كنت تريد القيادة وتسعى لها، استثمر على الاقل ٤٠٪ من وقتك في قيادة ذاتك الشخصية قبل قيادة الآخرين.
اجعل الآخرين يتذكرونك جيدًا كرئيسهم المفضل عند سؤالهم من أفضل رئيس سبق وأن عملت معه، ليس في سبيل إرضائهم فقط، بل في تحقيق السمة العظمى (ذاتك أولًا)!
المراجع:
١- مفهوم إدارة الـذات – أحمد السيد كردي.
ترشيحات النشرة
«تركيز البشر أصبح مثل ذاكرة السمك!» نرشّح لك حلقة من بودكاست غلاف مع أحمد سامي العليوي ناقشنا فيها كتاب «العمل العميق» وكيف يمكنه مساعدتك في استعادة تركيزك وتحقيق إنتاجية حقيقية في عصر المشتتات. العمل بتركيز: كيف تنجز جميع المهام المعلقة | بودكاست غلاف