«الزواج الناجح يرفع الانتاجية بشكل لا يمكن تصوره، والزواج الفاشل يصنع العكس»
كريم اسماعيل
عند بداية استقراري في مدينة الرياض في العام 2017 م كان على رأس أولوياتي كموظف هو الزواج قطعا، فأفكار علي عزت بيقوفيتش في كتابه «الإسلام ما بين الشرق والغرب» حول الفرق الشاسع ما بين القرية والمدينة حاضرة في ذهني، فقد كنت أشبه مدينتي الوادعة بين السحب والضباب بالقرية الصغيرة التي هي في صلب تكوينها ترتكز على الرابطة الأسرية، فنية الزواج مع القيام به هو أمر لا بد منه بعد الإستقرار الوظيفي بطبيعة الحال، وهذا سوف يجعل القرية أكثر عدةً وعتادًا بزيادة أفرادها المنتمين لها، وهكذا يتحقق المراد في بلوغ غاية الزواج وتحقيق مستهدفاته الفطرية في الاستقرار واستكمال رحلة الحياة بأفراحها وأتراحها حتى الموت.
ولكن الذي كان غريبًا ومبررًا في نفس الوقت بالنسبة لي عند الإنتقال لمدينةٍ كبيرةٍ مثل العاصمة الرياض، هي التنافسية الكبيرة من أجل الحصول على وظيفة مرموقة بين أفرادها، حيث يلاحظ جليًا تفوقهم المعرفي، وخلفيتهم التعليمية الصلبة،
واختلاطهم بمختلف الأنشطة التي عرضتهم بشكل أو بآخر نحو علاقاتٍ مهنيةٍ زاخرةٍ بالعديد من الخبراء وأصحاب التخصص الذين أفادوهم بشكل أو بآخر في نموهم المهني لاحقا.
وفي ظني وبسبب الأولوية الطاغية في التطور المهني لا تأتي فكرة الارتباط إلا في سن متأخرة، وقد تغلف بالعديد من الحواجز الواهية بأسبابٍ تعود إلى (زيادة المهور، وتكاليف الزواج، وعدم الإستقرار، والرغبة في زواجٍ غير تقليدي، وعمل المرأة، والتضخم، وقلة العائد المادي، وصعوبة تملك المنزل … إلخ) سواءًا كانت هذه الأسباب حقيقةً أو مبنية على حججٍ لا أساس لها من الصحة من وجهة نظر من يؤمن بها والذين في نفس الوقت (يتحصلون على سيارة جديدة، ويسافرون في كل فرصة سانحةٍ يجوبون أصقاع العالم، وتجدهم أول الأشخاص حضورًا للفعاليات الترفيهية!).
ولكن يبقى السبب الذي يتوجس منه الأغلب وهو الذي اتفق معه، هو الخوف من الانفصال خصوصا إن كان هناك أبناء نتيجة هذا الارتباط الزوجي، حيث تشير الأرقام المنشورة في الهيئة العامة للإحصاء بإرتفاع معدلات الطلاق في العام 2020 م بنسبة وصلت %13.8 للسكان السعوديين، وهذا الرقم ازداد في آخر احصائية مع العام 2023 م حيث وصلت أعداد الطلاق الأفراد 350 ألف حالة طلاق في السنة ويعود ذلك لجملة أسباب لا يمكن حصرها، لذا أظن بأن واحدةً من الحلول الجذرية هي سن المناهج التعليمية خلال مراحل السن التعليمي المتقدم مثل المرحلة الجامعية أو المقررات المكثفة قبل عقد النكاح مباشرة يكون فيها الشرح المستفيض لمثل هذه الظاهرة التي تشتت العوائل والأسر وتمزقهم لأشلاء متفرقة بسبب قلة الوعي أو عدم اكتمال النضج الكافي لخوض علاقةٍ وثيقة وميثاقٍ غليظٍ.
وعودة للحديث عن تجربتي الشخصية في الزواج فقد وجدت فيه اتزانا ذهنيا في النمو المهني المتلازم مع فكرة الارتباط، حيث يمكن لهذه العلاقة المقدسة أن تكون مكانا خصبا للتشجيع والمواساة في استكمال الرحلة التعليمية من أجل ارتقاء السلم المهني بإحترافية، كذلك بإمكانه أن يكون ملاذا لمعرفة رأي شخص آخر «الزوج أو الزوجة» في الأمور المتعلقة بالعمل أو خارجه بمعرفة رأيه الصريح دون مجاملة مع الاستئناس برأيه ومن يدري ربما العمل بمقتضاه، ومع وجود الأبناء تختلف رحلة الزواج تماما حيث تكون أكثر إثارةً وحافزًا في وجود العديد من الأهداف التي ترمي إلى حياةٍ هانئةٍ ومستقرة، مما يعني تربية الأبناء في بيئةٍ أكثر اتساقًا ونموًا في نواحي التعليم والتربية خصوصًا في ظل الأرقام التي تشير إلى تناقص أعداد المواليد الذي أصبح اليوم 2.2 مولود لكل امرأة مقارنة 7.2 مولود لكل امرأة في العام 1960م.
قد تعكس مثل هذه الأرقام بعض القلق المتعلق بمسائل الشيخوخة وخشية عدم الموازنة في العدد الإجمالي ما بين المواليد الذكور والإناث ولكنها في الجهة المقابلة تؤيد وبشدة جودة الحياة المرتبطة بالتوازن ما بين الحياة المهنية والاستقرار الأسري، فمن الجوانب الايجابية المرتبطة بالزواج هو أن الأفراد المتزوجين أكثر قدرة على إدارة أموالهم بشكل أفضل من نظرائهم غير المتزوجين الذين يوجد لديهم نفس الخلفية العلمية والحياتية السابقة بنسب تصل إلى 10-40%.
يعيش الفرد الواحد أكثر من ألفي ساعةٍ سنويًا في أماكن العمل، وقد تزيد هذه الساعات عند حساب أوقات الزحام والبقاء في العمل لأوقاتٍ متأخرةٍ وأعمال قد تتراكم حتى نهايات الأسبوع، لذا لا بد من فكرة الموازنة ما بين الحياة الوظيفية وتحقيق الغاية الأسمى في الاستقرار الأسري التي يتوجب خلالها (إغلاق إشعارات جميع الأجهزة بعد ساعات العمل، وقضاء ساعاتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ مع الأسرة، واظهار مشاعر الود والامتنان قولًا وفعلًا، وخلق مساحةٍ حرةٍ من التواصل المستمر الذي بإمكانه إلغاء أي فرصةٍ للضغينة أو الشحناء بين الأزواج).
والآن دورك؛ هل تظن بأن هناك ارتباطًا ما بين الزواج والنجاح المهني؟ شاركنا رأيك في النشرة أو عبر وسائل التواصل لإذاعة مختلف.
ترشيحات النشرة
أعجبك المقال؟
ننصحك بمشاهدة حلقة النجاح المهني يبدأ من المنزل | بودكاست بارتشن، ستساعدك في الجمع بين النجاح المهني والأسري.