من يتحمل مسؤولية تطوير مهارات الموظفين؟

في السنوات الأولى للوظيفة خصوصًا لأُولئك المجتهدين منهم تجدهم الأكثر عطاءً ومبادرةً وانضباطًا في تأدية مهام العمل مع ساعات إضافية تزيد عن أوقات الخروج أوالانصراف المطلوبة دون طلب مباشر من الإدارة العليا المسؤولة عنهم، يبدأ أحدهم الشروع في فكرة رائدة فتجده يواجه العديد من العقبات بسبب نقصان الخبرة، وعدم وجود عدد كافي من الزملاء المتخصصين الذين يشجعونه للمضي قدمًا في ظل ضيق الوقت، ووجود أعباء ومهام أخرى في العمل الذي يقوم به وربما يأخذ جل وقته إن لم يوزان بين المشاريع خارج وداخل أوقات العمل.

فمع مثل هكذا مشاريع رائدة وعلى المدى البعيد يعي الموظف نقصان المهارات المطلوبة لاستكمال هذا المشروع، ولأنه مؤمن كفاية بقدراته والفرص المتاحة التي ستسنح له عند نجاح مثل هذه الفكرة الرائدة تجده حتى في وقت فراغه يحاول جاهدًا لسد الثغرات ومحاولة تطوير المهارات المطلوبة بالحصول على ساعات إضافية من التعلم المستمر رغبة في الوصول للمستوى المطلوب.

لذا يأتي السؤال هنا قبل أن يضيق هذا الموظف المجتهد ذرعًا ويتخلى عن مثل هذه الأفكار المبتكرة، هل تطوير الموظفين في منظومات العمل هي مهمة تقع على الفرد أم المؤسسة المهنية؟  

قبل أن أجيب على هذا السؤال يجب علينا تعريف التطور المهني بحسب موقع Upwork فهو:

«عملية استباقية ومتواصلة من التطور الذاتي والمستمر على الصعيد الفردي أو المؤسسي وذلك من أجل العثور على موطئ قدم يساهم في النهوض والتحسن المتصاعد على الجانب المهني حيث يعد نهج ذو طبيعة متعمدة ذات مغزى من أجل العثور على فرص وخبرات مهنية جديدة».

يظن البعض أن التطور المهني هو حكر فقط على الأفراد أو من انضم حديثًا إلى المؤسسات المهنية، إلا أنه مفهوم ذو طبيعة أوسع يشمل المدراء ورؤساء الأقسام والتنفيذيين، فمن المفارقات الغريبة بأن الشركات تؤمن بأهمية التطور المهني بنسبة تصل إلى 83% غير أن فقط 5% من إجمالي هذه الشركات هم من يوجد لديهم بالفعل برامج تدريبة احترافية ومهنية تساعد القادة والأفراد على أن يكونوا نسخ أفضل من أنفسهم مع إعطاء مساحة لقادة جدد في الساحة من أجل التقدم والمضي قدمًا لمسك زمام الأمور في الأجيال المتعاقبة للمؤسسات أو الشركات.

خلال بحثي وجدت إحصائيات أخرى مثيرة للإهتمام حيث أشارت الدراسات بأنه لو كان هناك جزء من استثمارات الشركات أو المؤسسات تذهب لقسم التدريب والتطوير فهذا يعني بأن 94% من الموظفين سيبقون في المؤسسة لفترة أطول مما يعني خلق ولاء لدى الموظف وتقليل نسب التسرب الوظيفي بإعطاء فرص للتحسين والتطور المهني من أجل مزيد من الابتكار والنمو الموجه، فالعديد من الموظفين الذين تصل نسبتهم إلى 86% مستعدين للإنتقال من قطاع لآخر أو وظيفة أخرى لمجرد البحث عن فرص للتطور في حياتهم المهنية.

ففي العالم الذي نشهد فيه زحف الذكاء الاصطناعي ومزاحمته اللصيقة للبشر في الحصول على منصب في الشركات أو المؤسسات يعني بأن هناك تنافس شديد البأس لا يطلب وجود المتشابهين إنما المختلفين من الأفراد ممن يتمتعون بخصال النمو والتطوير الدائم سواءً كان ذلك ذو طبيعة مكتسبة أو مطبوعًا في جيناتهم، فالتغير العالمي نحو اقتصاد المعرفة هو أمر لا مفر منه في عالم متطلب وديناميكي للغاية، لنأتي على السؤال المهم من هو المسؤول عن تطوير مهارات الموظفين وصقلها؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف بأن التطوير المهني هو أمر يمكن الحصول عليه عن طريق الصعيد المؤسسي حيث أن هذه الطريقة تضمن للمواظف الحصول على (وفرة في المصادر المرجعية من أجل التعلم، وميزانيات أكبر من أجل التدريب، وبرامج مخصصة بحسب الاحتياج الفعلي للموظف بناء على خبراته السابقة، وشبكة من العلاقات الممتدة التي يمكن للموظف الوصل إليها إن دعت الحاجة).

على الجهة المقابلة فإن الموظف لوحده يمكنه التطوير من نفسه وذلك باللجوء إلى (دورات الإنترنت، وحضور المؤتمرات وورش العمل، وطلب الاستشارات المهنية، وقراءة أحدث الاصدرات والمجلات في المجال الذي يشغله).

لذا إجابتي على هذا السؤال، يمكنني القول بوضوح وانطلاقًا من الآية الكريمة في سورة الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11]، بأن مسؤولية التطور المهني هي تقع على عاتق الموظف أولًا، حيث يجب عليه ألا ينتظر مطلقًا أن يأخذ أحد بيديه إنما يقتلع الفرص بكلتا يديه وينتزعها انتزاعًا وألا يتعذر بالمدير والمشرف والمؤسسة التي ينتمي لها ويكيل لهم سيلًا من النقد اللاذع وهو في قرارة نفسه لا يريد النمو والتطور، وإن صادفت الأقدار وجود مؤسسة مرموقة تأخذ بأيدي موظفيها للرقي والتطور فخير على خير على الموظف الفرد ومؤسسته التي ينتمي إليها من أجل النمو والازدهار وخلق شعور من الطمأنينة التي تساعد جميع المنتمين لهكذا جهات.

وخلاصة الفكرة من كل ما سبق من أجل تعزيز التطور المهني، يجب على المؤسسات توفير بيئة عمل محفزة تدعم الابتكار والتعلم المستمر، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال تخصيص ميزانيات كافية للتدريب والتطوير، وتبني ثقافة التعلم التعاوني، وتشجيع الموظفين على المشاركة في المشاريع الإبداعية.

من جانب آخر، يجب على الأفراد أيضًا أن يكونوا أكثر استباقية في البحث عن فرص التعلم، وتحديد أهدافهم المهنية بوضوح، وبناء شبكات علاقات مهنية قوية تمكنهم من اللجوء لها إن دعت الحاجة دعمًا أو تطويرًا.

والآن دعني أسألك من هو المسؤول من وجهة نظرك عن تطوير الموظفين وصقل مهاراتهم؟

اشترك الآن في نشرتنا البريدية

ترشيحات النشرة

نرشّح لك حلقة من بودكاست بترولي، نستضيف فيها خبير تطوير المنشآت والقدرات هتان بن ولي سيت لنتحدث عن أهمية تطوير الأشخاص وتأثيره على نجاح المنشآت/ المنظمات.

تطوير أهم عنصر في المنظمات | بودكاست بترولي

Scroll to Top