نحن في بداية السنة تقريبًا، والأهداف والخطط تملأ الكون من حولي. قررت أنني لن أسير مع القطيع.
في عالم يسوده التخطيط والتنظيم، وتجد الأهداف ومؤشرات الأداء طريقها لكل عنصر فيه، نعتقد بأن المعرفة تأتي حصرًا من المناهج المعدّة مسبقًا والخطط المحكمة. ولا يدور بخلدنا أن نوافذًا من نور الحكمة وعمق التجربة تلج الحياة من مكان آخر، تحتاج إلى من يستقبلها برحابة صدر.
تلك اللحظات التي لم نخطّط لها، تِلْكُم المواقف العفوية التي تعلمنا منها دون أن ندرك! الفوضى ليست عبثية دائمًا، فربّما تكون فرصة خفيّة للتعلم والنموّ. التعلّم غير المخطط والفوضى الإيجابية جزء مؤثر من تطورنا الشخصي والمهني.
إعادة التعريف
حين نسمع كلمة «فوضى»، تُرسم في مخيّلتنا صورة للعبث والضياع وانعدام النظام. هذا طبيعي لأن الإنسان لا بد أن يتخيل شيئًا ما.
لكن ماذا لو رجعنا إلى الخلف خطوة، وعرّفنا الفوضى هنا بأنّها عدم وجود قالب مسبق، أو الخروج من الإطار المعروف سلفًا وإعطاء المجال لتجربة أمور أكثر. نقلُ دائرة الضوء على المسرح من بقعة صغيرة يقف فيها ممثّلٌ حفظنا مواقفه و«إفّيهاته»، ليشمل الضوء المنصّة كلها!؟
يبدو هذا جميلًا ولا بأس من كلمة الفوضى حينها فقد ارتدت ثوبًا آخر. ثوب الفوضى الإيجابية التي تُنتج التعلّم غير المخطط. وهو مفتاح يفتح الأبواب للصدف، ووقوع ما لا يمكن التنبؤ به، مَنجَم كنوزٍ قد تظفر فيه بجوهرةٍ نادرة.
ماذا عن التعلّم الذي نعرفه؟
لا أنكر أن التعلّم الممنهج والمخطط له، الذي ترعاه الدول والمؤسسات وتنفق في تحسينه وتطويره وقياس نتائجه ما لا يحصى من الوقت والجهد والمال هو الأساس. وهو السبيل الرحب، والطريق المعبد الذي يستوعب ملايين البشر ويناسبهم.
التعلّم الممنهج معتمد على الخطوات المنظمة والخطط الدقيقة، والنتائج القابلة للقياس. وعلى النقيض منه يأتي التعلّم غير المخطط الذي يُبنى على التجارب المستمرّة والملاحظات العفوية.
كلامي هنا يمسّ الأفراد الذين قضوا في التعليم الممنهج عمرًا. إنه هامش تحت الصفحة ينبّه أن الدنيا كبيرة واسعة، فافتحوا قلوبكم للتجربة وستذهلكم بنتائجها.
التعلّم غير المخطط طريقته سلبية ونتيجته إيجابية. إنه شعورك المغتبط عندما تُدرك شيئًا جديدًا من تجربة عابرة أو ملاحظة لم تكن في الحسبان.
أكثرنا من الكلام! هيا نرى الواقع:
أغمض عينيك يا صاحبي، وحاول أن تتذكر:
✨ محادثةً عابرة مع زميل غيّرت طريقة تفكيرك.
✨ مقطع فيديو شاهدتَه صدفة وأضاء في عقلك فكرة جديدة 💡.
✨ موقفٌ طارئ في العمل دفعك لتطوير ابتكار جديد أو تحسين منتج قائم.
أحسنت. هذا هو التعلّم غير المخطط الذي كنت أحاول إفهامك إياه بالطريقة الصعبة البائسة أعلاه. أرأيت كم هو سهل!؟
كيف تولّد الفوضى الإبداع؟
✨ الخروج من زنزانة الروتين: الفوضى تجبرك على التفكير خارج الصندوق، لأن الحلول التقليدية لا تُتاح دائمًا. الفوضى تعني أن ما اعتدت عليه لم يعد يجدي نفعًا، لذلك ستضطر إلى غيره.
✨ استكشاف المجهول: غياب الخطة يدفعك إلى التجريب والارتجال. إن المجهول الذي دفعتك الفوضى إليه قد يكون جنةً سُحبتَ إليها بالسلاسل وأنت لا تعلم!
✨ مرونة عقلية ونفسية: عدم الوضوح يجعلك متكيّفًا مع التغييرات لا تهاب من التبدّل وهذا بلا شك يمنحك فرصة لتخرج وتبدع وتجرب، وتصمد أمام الصعاب.
انتبه‼️
الفوضى لا تتحول إيجابية من تلقاء نفسها، يجب أن تكون أنت راغبًا في قَلبِـها إلى فرصة للتعلّم. إليك بعض الخطوات العملية:
1- كن فضوليًا: الفضول هو المحرك الأساسي للتعلم غير المخطط. إنه قلق لذيذ يحفّز صاحبه على الحركة وعدم الاكتفاء بما يعرفه من قبل.
2- جرّب جرّب جرّب: أطرق أبواب مجالاتٍ لا تألفُها، تحدّث مع أشخاص خارج دائرتك. ابدأ بالأشياء الصغيرة ثم انتقل إلى ما هو أكبر، ستعرف رحابة الدنيا وسعة الخيارات حينها.
3- وثّق تجاربك: احتفظ بدفتر -أو وسيلة أخرى- لتدوين اللحظات الفارقة التي تعلمت منها ما لا تتوقع. سيكون هذا الدفتر مختلفًا عن غيره، وربما يصبح النواة التي تستقي منها كتابك الخالد.
الفوضى والتوازن: مزيج النجاح
رغم أهمية التعلّم من الفوضى، فحياتنا لا يمكن أن تكون كلها غير مخططة. التنظيم ضروري لتحقيق أهداف محددة، وتحقيق نتائج ملموسة لكن ترك مساحة هامشية حرّة روح الابتكار والتطور.
خروج عن النص 😂😅: زملائي المهندسون يكرهون ذلك، ويريدون أن يطوعوا الحياة لتكون محسوبة بالورقة والقلم والأوتوكاد. ليحاولوا جهد أنفسهم… الحياة لن تطيعهم وستغيّرهم بدل أن يغيروها.
التوازن بين التخطيط واحتضان الفوضى مهارة حقيقية قد فاز من أتقنها.
الخاتمة
الفوضى ليست أزمةً يجب تجاوزها؛ بل هي تربة خصبة للإبداع. تمنحنا حلولًا جديدة، وفرصًا لا يعوّضها غيرها. إن واجهت الفوضى فلا تتشاءم، وتذكّر أنها فرصة للنمو لا تتكرر كثيرًا.
اشترك الآن في نشرتنا البريدية
ترشيحات النشرة
نرشّح لك حلقة من أصدقاء بترولي، نستضيف فيها صانع المحتوى م. أحمد ابوزيد صاحب قناة #دروس_اونلاين والكوتش أ. أحمد شاهين والطبيب النفسي د. محمد إبراهيم. لنناقش مواضيع مهمة حول العمل، الحياة الشخصية، وصناعة المحتوى. نتعمق في أسئلة مثل: كيف تجد ما يناسبك؟ بالإضافة إلى نصائح حول الصحة النفسية، وأهمية الإجازات. حلقة مليئة بالتجارب والأفكار؛ مشاهدة ممتعة..
بين الإنتاجية والكمالية وتطوير الذات: حقيقة صناعة المحتوى | أصدقاء بترولي