
صديقنا العزيز،
في لحظة هدوء، ربما وجدت نفسك تتأمل طفلك وهو يلعب، وفي عقلك يدور سؤال أكبر منه ومن ألعابه: «ماذا سيصبح في المستقبل؟».
سؤالٌ محركُه الحب والأمل، ولكنه أحيانًا يكون ثقيلًا.. ثقيلًا بأحلامنا التي لم نحققها، ومخاوفنا التي لا نريدهم أن يواجهوها.
نشعر أننا نمسك بخريطة كنز، ونريد أن نمنحها لهم لنسهل عليهم الطرق الوعرة، لكن هنا يأتي الهمس الذي لا يتوقف: «هل هذه هي خريطتهم، أم أنها خريطتنا نحن؟».
في «مختلف» نحن لا نملك إجابات سحرية، لكننا نؤمن بقوة الحوار الصادق بيننا.
واليوم، دعنا نتحدث كأصدقاء عن هذا الحمل الثقيل الجميل: كيف نوجه أبناءنا نحو مستقبلهم دون أن نفرض عليهم أحلامنا؟
💭 هل نحقق أحلامنا من خلالهم؟
قبل الحديث عن «كيف»، لنبدأ بسؤال «لماذا؟».
لماذا نشعر أحيانًا برغبة عارمة في توجيه أطفالنا نحو مسار معين؟
هنا علينا أن ننظر بصدق إلى دوافعنا!
هل سبق أن قلت «أتمنى لو درست الهندسة» ثم نظرت إلى طفلك وهو يبني بالـ(LEGO) وشعرت بدافع خفي لتوجيهه نحو هذا الطريق؟
فرض أحلامنا ليس فعلًا نابعًا من الشر، بل هو غالبًا محاولة غير واعية لترميم شيء بداخلنا، فقد تكون هذه المحاولة نابعة من:
✦ إصلاح الماضي: قد نحاول من خلالهم تحقيق طموح لم نتمكن من تحقيقه، كأننا نمنح أنفسنا فرصة ثانية عبرهم.
✦ الخوف من المجهول: العالم يتغير بسرعة، والتمسك بالمهن التقليدية «الآمنة» مثل الطب أو الهندسة قد يبدو لنا طوق نجاة لهم من مستقبل غامض.
✦ البحث عن التقدير: أحيانًا، قد يرتبط نجاح أبنائنا في أعيننا بنظرة المجتمع إلينا.
فهم هذه الدوافع ليس لجلد الذات، بل لتحرير علاقتنا بأبنائنا من أثقال الماضي، علاقة يكون أساسها «ماذا تريد أنت؟» بدلًا من «ماذا أريد أنا لك؟».
هذه المصارحة، وإن بدت مؤلمة، إلا أنها الخطوة الأولى نحو الشفاء.
وربما نحتاج كأهل إلى أن نتوقف قليلًا لنستمع لصوتٍ يشبه حيرتنا، حزننا، وذاك السؤال الذي لم نُمنح وقتًا لطرحه: «هل اخترت تخصصي لأني أريده فعلًا؟».
هذا بالضبط ما يناقشه د. عماد رشاد في حديثه العميق على «بودكاست بترولي» في حلقة رائعة بعنوان: «البحث عن الذات والمعنى والتخصص».
الجميل في الأمر يا عزيزي،
أننا اليوم، إن فهمنا هذا الصوت داخلنا، نستطيع أن نكون لأبنائنا مرآة صافية… لا نعيد عبرها بناء أحلامنا القديمة، بل نكتشف أحلامهم كما هي.
🧭 أنت البوصلة.. لا القائد
تخيل أنك في رحلة استكشافية!
هل تفضل خريطة قديمة قد تكون طرقها تغيرت، أم بوصلة قوية تعمل دائمًا وتساعدك على إيجاد اتجاهك بنفسك؟ دورنا هنا هو تزويدهم ببوصلة داخلية قوية، وليس رسم خريطة مفصلة لحياتهم.
الخريطة تحدد مسارًا واحدًا، وإذا انحرف طفلك عن الطريق، يشعر بالضياع. أما البوصلة فتمنحه اتجاهًا ومبادئ، تعلمه كيفية قراءة الحياة والتكيف معها، بغض النظر عن وجهته النهائية.
كيف نكون البوصلة؟
🧩 نكتشف معهم، لا لهم: بدلًا من تسجيلهم في دورة برمجة لأنها «لغة المستقبل»، لنجلس معهم ونشاهد فيلمًا وثائقيًا عن الفضاء، أو نزور ورشة نجارة، أو نطبخ معًا وصفة من بلد آخر. المهم أن نجعل التجربة هي الهدف، لا النتيجة.
🧩 نستمع إلى ما بين السطور: الأطفال لا يقولون دائمًا «أنا شغوف بالهندسة». لكنهم قد يقضون ساعات في بناء مدن من الرمل، أو يطرحون أسئلة لا تنتهي عن كيفية عمل أشياء معينة. هذه هي الإشارات، وهذا هو صوت الشغف الخافت الذي يحتاج منا أذنًا صاغية وقلبًا صبورًا يا صديقي.
🧩 نحتفي بالفضول، لا بالكمال: هل بدأ طفلك بتعلم الرسم ثم تركه بعد شهر؟ هذا ليس فشلًا، بل تجربة ناجحة عرف من خلالها أن الرسم ليس شغفه. لقد تعلم شيئًا جديدًا عن نفسه، وهذا بحد ذاته نجاح يستحق التشجيع.
🧩 ننمّي المبادئ: البوصلة الحقيقية هي القيم: الصدق، المثابرة، التعاطف، وحب التعلم. هذه المبادئ ستخدمه في أي مهنة يختارها، أكثر من أي مهارة تقنية.
🚀 هيّئه للانطلاق واتركه يختار طريقه
إذا كانت البوصلة تحدد العقلية، فالمنصة هي البيئة والأدوات التي نقدمها. دورنا كأهل يشبه إلى حد كبير دور منصة إطلاق الصواريخ.
مهمتنا أن نمنحهم قاعدة صلبة، وقودًا من الثقة والحب، ودعمًا فنيًا لا ينقطع، ثم نتركهم ينطلقون نحو السماء التي يختارونها، حتى لو كانت وجهتهم كوكبًا لم نسمع به من قبل!
كيف نبني هذه المنصة؟
💠 التركيز على المهارات
بدلًا من قول «يجب أن تصبح محاميًا»، لنركز على المهارات التي نراها فيه، لا المسميات. «ألاحظ أن لديك قدرة رائعة على إقناع الآخرين والدفاع عن وجهة نظرك، هذه مهارة قوية جدًا».
هذه الجملة تفتح أمامه أبواب المحاماة، والتسويق، وريادة الأعمال، والعلاقات العامة، وتجعله يشعر بالتقدير لصفاته الحالية.
💠 توفير أدوات الإبداع
المنصة الجيدة تحتوي على موارد متنوعة؛ لنمنحهم الأدوات التي تشعل شرارة الاهتمام، سواء كانت كتبًا، أو اشتراكًا في ورشة فنية، أو حتى أدوات برمجية بسيطة وممتعة.
💠 تطبيع فكرة التغيير
انتهى زمن الوظيفة الواحدة مدى الحياة، من المهم أن نزرع في أذهانهم فكرة أن المسار المهني مرن.
الكثير من الناجحين اليوم غيروا تخصصاتهم ومهنهم عدة مرات؛ هذا يزيل عنهم عبء اتخاذ «القرار الصحيح والنهائي» من المرة الأولى.
💠 قوة سؤال «ماذا لو؟»
لنجعل من محادثاتنا استكشافًا ممتعًا، مثل «ماذا لو حاولنا تصميم شعار لمطعم خيالي؟»، «ماذا لو تعلمنا كيف يعمل محرك البحث (Google)؟»، «ماذا لو قضينا يومًا مع صديق العائلة في مكتبه لنرى كيف يبدو يوم عمله؟».
هذه الأسئلة تفتح نوافذ في عقولهم دون أن نشعرهم بالضغط.
🔬 دع التجربة تسبق القرار
لنتفق على شيء أولًا؛ وهو من الطبيعي، بل ومن الصحي، ألا يعرف طفل في العاشرة من عمره ماذا يريد أن يصبح!
الطفولة ليست فترة لاتخاذ قرارات مصيرية، بل هي مختبر كبير للاستكشاف والتجربة.
الضغط لدفعه نحو قرار مبكر يشبه أن تطلب من شخص تذوق الطبق الأول فقط في بوفيه مفتوح، ثم تقنعه بأنه وجد وجبته المفضلة للأبد! ماذا عن بقية الأطباق؟ ماذا لو كان هناك ما سيحبه أكثر؟
القلق الذي نشعر به عندما يقول «لا أعرف» هو في الحقيقة قلقنا نحن، وخوفنا من المجهول.
بدلًا من أن نملأ فراغ إجابته بأحلامنا القديمة «كنت أتمنى أن أصبح طبيبًا»، لنجرب أن نقول له: «هذا ممتاز! يعني أن أمامك عوالم كثيرة لتكتشفها، وأنا هنا لأكتشفها معك».
كيف نحمي أبناءنا من المقارنة؟ 🤔
من أكبر التحديات التي تواجهنا كأولياء أمور هي المقارنة.
نرى ابن الجيران يفوز بمسابقة للسباحة، فنشعر بوخزة تدفعنا لنسأل ابننا: «لماذا لا تكون مثله؟».
هذه المقارنة تزرع في الطفل فكرة أن النجاح كعكة محدودة الحجم، إذا أخذ أحدهم قطعة، نقصت حصته. لكن الحقيقة أن النجاح محيط واسع، يتسع لجميع أنواع السفن.
عندما ينجح صديقه، بدلًا من المقارنة، لنجعلها فرصة للحديث عن الإلهام: «انظر لكم هو مجتهد! ما الذي يمكن أن نتعلمه من تجربته؟».
لنساعده على حب النجاح كقيمة، أن يفرح لنجاح الآخرين لأنه دليل على أن الأشياء الجميلة ممكنة، وأن يشعر بالغيرة الصحية التي تدفعه ليطور من نفسه، لا ليحقد على غيره.
ولمزيد من الأفكار العملية والملهمة يا صديقي، تقدم لنا د. سارة العبد الكريم في «بودكاست استفهام» حلقة مخصصة للإجابة على أسئلة المهتمين حول كيفية توجيه الأبناء مهنيًا، وتتناول فيها سيناريوهات متعددة، تناقشها بأسلوب علمي وعاطفي في آنٍ واحد، لكل ولي أمر يبحث عن التوازن بين التوجيه والدعم.
اشترك الآن في نشرتنا البريدية

ترشيحات النشرة
نرشّح لكم هذه الحلقة الملهمة من «بودكاست استفهام» مع د. سارة العبد الكريم، التي تسلط الضوء على كيفية فهم أطفالنا وتوجيههم لاكتشاف شغفهم دون فرض الأحلام عليهم. تناقش الحلقة تحديات التربية الحديثة مثل تأثير التقنية، غيرة الأطفال، والمقارنة بالآخرين، وتقدّم أدوات عملية لزرع المسؤولية والاستقلالية بثقة واحتواء. حلقة دافئة ومليئة بالبصيرة لكل أب وأم يسعون لتربية متوازنة.
كيف نوجّه أبناءنا مهنيًا دون فرض أحلامنا عليهم | بودكاست استفهام

🔍 اكتشف طفلك كما لو أنك تراه لأول مرة
لأننا نؤمن بالتجربة أكثر من التنظير، ندعوك هذا الأسبوع لأربعة تحديات بسيطة وممتعة، لتساعدك على رؤية وفهم صغيرك من زوايا متنوعة:
➊ تحدي «سيناريو وردة فعل»
تخيل أن ابنك (13 عامًا) قال لك بحماس: «قررت! أريد أن أصبح (Youtuber)».
اكتب أول رد فعل يخطر في بالك بصدق تام «لا أحد يراك!».
الآن، فكّر واكتب الرد الذي تعتقد أنه الأكثر دعمًا لفضوله وشغفه اللحظي، مع الحفاظ على واقعيتك كمرشد.
المراد هو ملاحظة الفجوة بين رد فعلنا التلقائي «الخوف» ورد فعلنا الواعي «الدعم»؛ هذه الفجوة هي مساحة النمو بالنسبة لنا كأهل.
➋ تحدي «الخروج من منطقة الراحة»
قوما بنشاط جديد لكليكما هذا الأسبوع.
العب معه لعبته المفضلة بفضول، أو شاهدا معًا فيلمًا وثائقيًا عن موضوع يمل منه عادةً.
الغاية هي كسر الحواجز وتجربة متعة أن تكونا مبتدئين معًا؛ فهذا يعلم الطفل أن التجربة والفشل أحيانًا هما جزء طبيعي من التعلم.
➌ تحدي «ملاحظات المستكشف»
لمدة ثلاثة أيام، كن باحثًا يدرس طفله، لا تسأل، فقط راقب واستمع.
دوّن ملاحظات عن الأسئلة التي يطرحها، والمواضيع التي يبحث عنها، وما يثير حماسه.
في نهاية الأيام الثلاثة، انظر إلى ملاحظاتك، فقد تفاجئك الأنماط الخفية التي تظهر!
الهدف هنا يا صديقي، هو جمع بيانات حقيقية عن اهتمامات طفلك، بعيدًا عن تصوراتك المسبقة عنه.
➍ تحدي «بوصلة الشخصية»
ابحثا عبر الإنترنت عن اختبارات ممتعة للاهتمامات المهنية (RIASEC) مثل أكواد هولندا (Holland Codes).
المقصد من هذا ليس الحصول على إجابة قاطعة، بل إيجاد لغة مشتركة للحديث عن أنواع الأنشطة التي تمنحه الطاقة، ومناقشة النتائج بفضول ودون أي أحكام.
جرّب أحد هذه التحديات البسيطة، ويسعدنا أن تشاركنا نتائج تجاربك وملاحظاتك على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام وسم #طفل_مختلف.

في النهاية يا صديقي، رحلتنا معهم ليست سباقًا نحو خط نهاية محدد.
هي رحلة نمشيها معًا؛ نتعثر، ننهض، ونتعلم. دورنا هو أن نمسك بأيديهم بقوة، أن نكون أمانهم ومصدر ثقتهم، وأن نهمس في أذنهم دائمًا: «أنا أثق بك، وأثق بالطريق الذي ستختاره لنفسك».

هناك مبدأ صغير قد يغير طريقة إنجازك للمهام الصغيرة، يُعرف بـ«قاعدة الدقيقتين».
🕑 تقول القاعدة: «إذا كانت المهمة تستغرق أقل من دقيقتين لإنجازها، فقم بها فورًا».
كالرد على رسالة بريد إلكتروني، ترتيب سريرك، وضع طبق في غسالة الصحون.
هذا المبدأ البسيط يمنع تراكم المهام الصغيرة التي تستنزف طاقتنا الذهنية دون أن نشعر.
جربها هذا الأسبوع، وراقب الفرق يا صديقي!