
صديقي العزيز،
هل تذكر تلك اللحظة التي وقفت فيها على أعتاب الجامعة لأول مرة؟ ذلك المزيج من الحماس والخوف، والشعور بأنك على وشك أن تبدأ أهم فصل في قصة حياتك.
كثيرًا ما ندخل الجامعة بهدف واحد؛ هو الحصول على شهادة تفتح لنا أبواب المستقبل. لكن، ماذا لو كان الطريق الذي اخترته، أو اختير لك، لا يتطابق تمامًا مع صوت الشغف في داخلك؟
قصة هذا الأسبوع ليست عن النجاح المهني التقليدي، بل عن رحلة بناء الإنسان.
هذه السطور من الذكريات، هي دروس قيمة في الموازنة بين الواجب والرغبة، وبين الطموح والواقع، وفي استغلال كل لحظة في تلك المرحلة التي لا تتكرر.
📘 الجامعة أكثر من مجرد شهادة
لا يتحدث د. العجيري عن جامعة البترول كمجرد صرح أكاديمي، بل كـ«وعاء لتكوين العلاقات» وبيئة تنصهر فيها الشخصيات.
يصف بولاء شديد كيف أن احترام الجامعة للطالب، وجديتها الإيجابية، خلقت لديه ولدى زملائه حسًا عاليًا بالمسؤولية والثقة بالنفس!
سرعان ما يكتشف بطل قصتنا أن كنوز الجامعة الحقيقية تقع خارج جدران الفصول الدراسية. يجدها في السكن الجامعي، الذي يصبح بيته الثاني وملتقى العقول والقلوب.
تجربة السكن الجامعي لم تكن بالنسبة له مجرد مكان للمبيت، بل كانت مصنعًا للصداقات التي استمرت لعشرين عامًا، ومدرسة تعلم فيها معنى الارتباط العميق والمسؤولية المشتركة.
كما يتعلم أن يغتنم الأوقات البينية بين المحاضرات. لا ليُضيّعها في أحاديث عابرة، بل ليحوّلها إلى فرصة لترسيخ عادة القراءة، ليكتشف أن أعظم المكتسبات في هذه المرحلة هي بناء مكتبة في عقله، لا مجرد اجتياز المقررات.
هذه البيئة، رغم انضباطها، كانت هي الأرض الخصبة التي سمحت له بالبدء في أهم رحلة: رحلة اكتشاف الذات.
🏗️ كيف تبني نفسك؟
يلامس د. العجيري نقطة ألم يعرفها الكثيرون، وهي الصراع بين شغف الابن وتطلعات الأهل!
رغبته كانت تتجه نحو التخصص الشرعي، بينما كانت رؤية والده تتجه نحو الحاسب الآلي، وهو المسار الذي سلكه بالفعل احترامًا وتقديرًا لوالده.
لكنه لم يسمح لهذا القرار بأن يطفئ شعلة شغفه.
هنا تكمن الحكمة الأبرز في تجربته؛ فقد أدرك أن سنوات الجامعة هي «الفترة الذهبية» لبناء الإنسان، لا لبناء تخصصه فقط.
بدلًا من التذمر، قام ببناء مسار معرفي موازٍ لمساره الأكاديمي. كانت مكتبة الجامعة هي ملاذه، حيث كان يلتهم الكتب في التاريخ والأدب والفلسفة وعلم النفس، موسعًا مداركه أبعد من حدود قاعات المحاضرات.
والأجمل من ذلك، هو اكتشافه لاحقًا أن تخصصه في الحاسب الآلي لم يكن عائقًا، بل كان نافذة فريدة فهم من خلالها المسائل الشرعية المتعلقة بالتقنية بعمق لم يكن ليصله لولا خلفيته العلمية.
بل الأروع، أنه أدرك أن الحياة أوسع من أن تُختزل في مسار وظيفي واحد، وأن تخصصه الجامعي هو نقطة انطلاق، وليس حكمًا نهائيًا.
يمكنه أن يكون مهندسًا يهوى الأدب، أو طبيبًا شغوفًا بالتاريخ… هذه القناعة رفعت عنه عبء اتخاذ «القرار المثالي والنهائي»، ومنحته حرية استكشاف كل جوانب شخصيته.
⚖️ كيف توازن بين حبك للشيء وقدرتك عليه؟
يصل بطلنا إلى التحدي الأكبر: اختيار التخصص.
هنا يواجه أكبر الإشكاليات، الصراع بين ما يريده بشغف، وما يملك القدرة الحقيقية على التميز فيه.
هنا يتعلم الدرس القاسي والمهم وهو أن الشغف وحده لا يكفي؛ يجب أن يقترن بفهم عميق للقدرات الذاتية واحتمالات النجاح.
يستوعب أيضًا فن الموازنة، فلا يرفض نصيحة والديه تمامًا، فهم الأكثر حرصًا على مستقبله، ولكنه يُناقش رأيهم بعقلانية وتروٍّ، ويدرك معهم أن سوق العمل يتغيّر بسرعة هائلة.
🧱 التأسيس قبل المشاركة
لم تقتصر التجربة على التحصيل العلمي والمعرفي فقط. كانت الجامعة هي الساحة التي دفعته لتحدي خجله وتطوير مهاراته في الإلقاء والتقديم.
لكنه يقدم درسًا ثمينًا للشباب اليوم، محذرًا من «التعجل في الظهور» الذي تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي.
ويؤكد أن العطاء يجب أن يأتي بعد بناء علمي ومعرفي راسخ، وأن مساحة الجدية في حياة الإنسان يجب أن تكون هي الأصل، والترفيه هو الاستثناء.
إنها دعوة صريحة للشباب الذين يواجهون تحديات أكبر اليوم مع كثرة الملهيات، بأن الجهد المطلوب منهم لإنقاذ أنفسهم من الإغراق في الترفيه أصبح مضاعفًا، لكن الثمرة طبعًا تستحق ذلك!
💡 دروس من قلب المرحلة الجامعية
وكما يقول الدكتور عبدالله العجيري:
«من الخطأ الكارثي اختزال حياة الطالب الجامعي في اهتمامه بالدراسة فقط، فالحياة أوسع بكثير من ذلك».
💠 الجامعة هي مصنع للذات، لا للشهادات فقط
إنها الفرصة الذهبية التي يمكنك فيها إعادة إنتاج نفسك، بناء ثوابتك الشخصية، وتشكيل هويتك الحقيقية بعيدًا عن كل ما سبقها.
💠 الصُحبة هي منهج دراسي خفي
أثمن ما ستخرج به من الجامعة ليس فقط المعلومات، بل العلاقات التي بنيتها. هؤلاء الأصدقاء هم من سيشكلون جزءًا من رحلتك المعرفية والسلوكية والأخلاقية لبقية حياتك.
💠 تخصصك هو نقطة انطلاق، وليس وجهة نهائية
لا تختزل حياتك في مسارك الدراسي. كن أوسع من تخصصك، واجمع بين اهتمامات متنوعة. العالم اليوم يكافئ أصحاب العقول المتكاملة.
حكاية «الطالب الجامعي» يا عزيزي، هي تذكير لنا بأن هذه المرحلة ليست مجرد محطة للحصول على وظيفة، بل هي رحلة متكاملة لبناء الإنسان. وهي دعوة لكل طالب حالي، أو مقبل على الجامعة، أو حتى خريج، ليعيد تقييم هذه الفترة الثرية.
فهذه هي الأصول التي ستنمو معك طوال العمر، وقيمتها الحقيقية ستظهر بعد سنوات طويلة من التخرج، وستُثمر في محطات لم تكن تتوقعها بإذن الله.
اشترك الآن في نشرتنا البريدية

ترشيحات النشرة
تفاصيل أعمق حول تجربة جامعة الملك فهد، وكيفية الموازنة بين الدراسة والحياة، وتحديات الزواج أثناء الدراسة، تنتظرك في الحلقة المختارة لهذا الأسبوع من «بودكاست بترولي».
إذا وجدت في هذه الأفكار إلهامًا ونورًا، فلا تتردد في أن تشاركها مع كل طالب يحتاج لأن يرى الصورة الأكبر بوضوح تام.


شغفك هو أصل من أصولك المهنية!
تذكرنا التجربة بأن الهوايات والاهتمامات التي نعتبرها مجرد «أشياء جانبية» قد تكون هي جوهر ميزتنا التنافسية.
لا تستهن بذلك الفضول الذي يدفعك لتعلم مهارة جديدة، أو ذلك الشغف الذي يجعلك تقضي ساعات في القراءة عن مجال معين.
اسأل نفسك اليوم: 🤔
«ما هو أثمن درس تعلمته في رحلتك الجامعية، وكان أبعد من الكتب والمناهج؟» و«ما هو الشيء الذي كنت تحب فعله في طفولتك ونسيته؟»
قد تكون الإجابة هي بداية مشروعك القادم يا صديقي.

هل سمعت عن «مصفوفة أيزنهاور» لتنظيم المهام؟
هي طريقة بسيطة لترتيب أولوياتك عبر تقسيم مهامك إلى أربعة مربعات:
◀️ هام وعاجل: افعله الآن.
◀️ هام وغير عاجل: جدوله لوقت لاحق «هنا يكمن التخطيط الحقيقي».
◀️ غير هام وعاجل: فوّضه لغيرك إن أمكن.
◀️ غير هام وغير عاجل: تخلص منه.
قد تساعدك هذه النظرة السريعة على استعادة السيطرة على قائمة مهامك المزدحمة.
ابدأ بها هذا الأسبوع…
وستعرف لاحقًا لماذا كان الأمر يستحق يا صديقي!