كيف يمكن لمهارات التحدث أن تُحدث فرقًا في مسيرتك المهنية؟

لا بد بأنك قد كنت في يوم من الأيام بصدد إعداد محاضرة أمام زملائك سواءً في المرحلة التعليمية التي عشتها طوال حياتك أو لاحقًا على مستوى المؤسسة التي تنتمي لها، في هذه المقالة أشارك معك قصتي مع أول إذاعة مدرسية لنستيعد سويًا بعض المشاعر التي تملكتني أنا وإياك سويًا ولو لفترة بسيطة من الوقت.

ما زلت أتذكر الرهبة الأولى التي وعيت فيها بأنه وقع الاختيار علي لأن أعتلي خشبة المسرح في الصف الثاني الابتدائي بأمر من معلم المادة دون شرح مببرات مسبقة قبل إقدامه على القرار في اختياري أنا دونًا عن بقية الطلاب لتقديم فقرة حكمة اليوم.

فقبل اليوم الموعد لفقرة الحكمة وهي التي تقع الآن على عاتقي وأقضت مضجعي، تعيد تكرارها عشرات ومئات المرات، سرًا وجهرًا، ليلك بنهارك، تحفظها عن ظهر قلب، لتكون أسير ستة كلمات فقط طيلة أسبوع كامل.

وما إن تضع رأسك استعدادًا للنوم إذ بمشاعر من التردد المختلط باللوم على قبول هذه المهمة المستحيلة، تخلد للنوم بعد ساعات من التقلب ذات اليمين وذات الشمال قبل اليوم الكبير ومنها تنطلق في صراع آخر من حلمك في المنام الذي يصور لك ساحة المدرسة بكل العيون الشاخصة التي تنتظر فقرة الحكمة وملقيها على أحر من الجمر في سلسلة من المشاهد غير المنطقية الأخرى.

بعد هذا الكم الكبير من الضغط الشديد تشعر بثقل حركتك، تحس بأن كل الكون صامت ولا وجود إلا لصوت أنفاسك المتصاعدة ونبضات قلبك التي تقول لك بأن تفر على الفور من المكان الذي أنت فيه على وجه السرعة.

تستعيد توازنك لبضع من الوقت لأن المعلم ابتسم في وجهك ودفعك للأمام قليلًا ببعض الكلمات المشجعة من قبيل نحن نفخر بك وأنت من نخبة الطلاب ولذا وقع الاختيار عليك، ولكنك لا تعبأ بهذه الكلمات الرنانة ليكون جل تركيزك منصبًا نحو الخلاص ولا شيء غيره.

ينتهي المقدم من افتتاحيته العصماء وهو الذي لديه لياقة كافية لأن يلقي أمام الحشود التي أمامه من الإداريين والمعلمين والطلبة، ثم يأتي القرآن الكريم ليبث نوعًا من أنواع الطمأنينة في هذا الجو المشحون الذي يختمر في أحشائك، ثم يأتي المقدم ليخبر الحضور عن تقديم فلان من أجل كلمة الصباح.

وكل ذلك يجري وعينيك تلفت علوًا ونزولًا وفي كل مكان ومن أجل كل الحركات والايماءات التي تقع في مرمى العينين، حتى تأتي تلك اللحظة المنشودة، وما هي إلا ثوانٍ حتى يذكر فيها اسمك علنًا في ساحة المدرسة بتقديم فقرة حكمة اليوم، تشعر بأن جسدك الذي يتحرك دون أمر واعٍ منك، وفي غضون أربع ثوانٍ فقط تقول الكلمات التي سوف تخلصك من كل هذا الضغط : «من جد وجد، ومن زرع حصد!».

يلي ذلك شعور يأتي ليخفف عنك كل وطأة ضغط سبق وأن عايشتها، شعرت وكأن جبال الهم قد زالت عن كاهلي، لتكون هذه الجملة من حكمة اليوم بوابة أخرى لأن تحظى بترقية مستقبلية من المعلم المسؤول عن الاذاعة لتقول كلمة الصباح في احدى الاذاعات في قادم الشهور، وياله من نصر ستناله إن انتهت مرحلة الابتدائي وأنت الذي يلقي الحفل النهائي لخريجي الطلبة في نهاية العام الدراسي وهذا ما كان في مرحلة متقدمه تلتها.

هذه المقدمة التي رغبت منك في تخيلها والشعور بها تقودني لسؤال مهم، تخيل بالله عليك شخص نابغ في مجاله، العبقري الذي يعرف النظرية وتطبيقها على أرض الواقع، ولكن وعندما يطلب منه نقل مثل هذه المعارف للعلن في الاجتماعات المفتوحة أو مع الموظفين تجده متلكأً ومهزوزًا ويفتقد ثقة التحدث أمام الآخرين!

ما فائدة كل هذه العلوم المختزلة في عقول الأشخاص الذين آثروا العمل خلف الستار دون مشاركة الآخرين ما يقومون به بشكل حقيقي للآخرين ليس لهم فحسب إنما أيضا من أجل الهام المهتمين للقيام بنفس الفعل؟

هل التحدث أمام الآخرين يثير كل هذا الرعب حقا؟

بحسب الاحصائيات فإن الناس يعانون بالفعل من نوبات الهلع المرتبطة بقلق التحدث مع الناس بشكل عام بنسب تتراوح ما بين 15-30 % مما يعني تلاشي فرص تطورهم التعليمي والمهني وممارسة الأنشطة الاعتيادية في الحياة.

عند الحديث عن التطور المهني، يتبين لنا من خلال عديد الدراسات بأن إتقان مهارة التحدث أمام الجمهور أمر بالغ الأهمية، فالفشل في التغلب على قلق الحديث أمام الآخرين قد يعيق التقدم المهني ويقلل من فرص الحصول على ترقيات وزيادات في الراتب، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الأشخاص الذين لا يتمتعون بهذه المهارة قد يكون تطورهم المهني أقل بنسبة 45% مقارنة بنظرائهم المتمكنين، وقد يتقاضون راتبًا أقل بنسبة 10% أيضًا.

ولكن الغريب للغاية هو ما يقوم به العديد من الأشخاص في التملص من هكذا مهام عسيرة عليهم عند طلب الحديث علنًا عن مشروع ما أو تقديم فكرة المبادرة للمهتمين أو عند استعراض انجازات الإدارة التي ينتمون إليها، فمن يكون منهم عضوًا في فريق ما فإنه سوف يسعى جاهدًا لأن يمرر هذه المهمة لشخص آخر بنسبة 20% كل ذلك أملًا في ألّا يكون تحت المجهر وأن يفر من هذه المهمة العسيرة فرار الطريدة عن الأسد.

هل مهارة التحدث العلني حكر فقط على المناصب الإدارية؟

إن مهارة التحدث أمام الجمهور هي مهارة شاملة يحتاجها الجميع، وليست مقتصرة على فئة معينة دون غيرها، فالطالب يحتاجها في دراسته، والمشرف يحتاجها في عمله، وأخصائي المبيعات يحتاجها في بيع منتجاته، والمستشار يحتاجها في تقديم استشاراته، والأمثلة تطول في ذلك، وبدون مهارة التحدث أمام الآخرين قد يواجه الشخص صعوبات في تحقيق أهدافه وبلوغها في كل نواحي حياته التعليمة والعملية والأسرية.

فبمجرد حديثك مع الآخرين أنت بهذا تصل لمرادك في التمتع بالثقة اللازمة التي تشحذ فيها طاقتك من أجل عطاء أفضل، وثقة أخرى تنقلها في حديثك المتمكن وكلماتك المقنعة للمسؤولين، تخبرهم فيها بأنك الشخص المنشود الذي يستطيعون أن يوكلوا إليه صلاحيات أكبر دون أدنى تردد، ولم يكن ذلك لولا مبادرتك في الحديث العلني والتموضع الجيد في أذهان المتلقين كخبير في المجال الذي تحدثت عنه في معرض حديثك أمامهم.

هل من نصائح مفيدة من أجل عرضي التقديمي القادم؟

تذكر بأن التحدث أمام الناس ليست مسارًا واحدًا دون غيره، بل هناك جانب مهم في هذه العملية من التواصل المستمر ألا وهو الطرف الآخر بكل العلامات التي يعطيها لك عند البدء في الحديث فهناك أسئلة يجب أن تبحث فيها وتتأملها كثيرًا من قبيل: (كيف بإمكانك إثارة انتباهه منذ البداية بجملة صادمة، أو احصائية مثيرة للاهتمام، أو قصة تخلب قلوبهم).

عند نجاحك في افتتاحية مبهرة سوف تتمكن من تجاوز الدقائق الأولى الصعبة مما يعني إحساس ملؤه الثقة، يخبرك بحتمية انتقال أفكارك المتسلسة  نحو الجمهور المتلقي بشكل سلس ومقصود، ويمكن تلخيص النصائح عند الوقوف أمام الجموع للحديث أمامهم كالآتي:

✨ التدريب المستمر هو مفتاح النجاح في التحدث أمام الجمهور لذا تدرب وحيدًا أمام المرآة، أو أثناء قيادتك للسيارة، أو مع أشخاص تثق بهم من أصدقائك وعائلتك، مثل هذا التدريب المتكرر سوف يمنحك انطباعًا أوليًا عن مدى قدرتك على جذب انتباه المستمعين ووقتًا كافيًا للتعديل والتحسين قبل العرض التقديمي.

✨ معرفة جمهورك المستهدف هو أمر ضروي جدًا، اعرف أعمارهم وخلفيتهم العلمية ومستواهم المعرفي، طريقة الحديث والأسلوب الذي سوف تقدمه لهم سوف تشكل عاملًا حاسمًا في إيصال المادة العلمية بطريقة نموذجية ومعد لها مسبقًا.

✨ اذهب للخبراء الذين ألهموك من قبل عند حديثهم لدى الجمهور لا بد وأن شاهدت مقطعًا ما زال عالقصا في ذهنك لمتحدث سحرك منذ بداية حديثه وحتى نهايته، تعلم أي الدقائق التي أثارت فيك مشاعر لا يمكنك نسيانها، اكتب مثل هذه اللحظات وحللها، لا تكتف بمتحدث واحد اذهب لعديد المقاطع المنشورة لمحاضرات TEDx فعندهم ستجد ضالتك حتمًا لخبراء تدرّبوا عشرات الساعات ليظهروا في العلن بشكل مثالي للغاية.

✨ عليك معرفة أن الوقفات المقصودة عند تقديم المحاضرة هي لمسة لا يقوم بها إلا المتمرّسين بالفعل، كذلك عليك ألا تنسى في أن تتماهى مع المادة العلمية المقدمة، فإن كانت تحمل طابعًا ايجابيًا فيجب أن ينعكس ذلك في صوتك وإيماءتك، وإن كانت تحمل شعورًا سلبيًا فيجب أن تتمثل بمثل هذه المشاعر في كلًا من الصوت وحركة الجسد.

✨ استخدم الحواس المتعددة للفهم، فالصورة والصوت والمقاطع المتحركة عوامل إضافية من أجل جلب الانتباه وإبقاء المستمع رهين باللحظة التي تتحدث فيها وليس منشغل بأمر أكثر أهمية منك مع هاتفه النقال أو سرحانه بعيدًا منك.

✨ لا بأس أن تظهر جانبًا أصيلًا وغير مدعيًا وأعني بذلك بعضًا من مشاعر الضعف، فأنت بهذا تظهر انسانيتك في المقام الأول وتقترب كثيرًا من قلب الذي يستمع لك في كونك بشريًا تخطئ وتصيب وليس ملاكًا كاملًا ينجح دائمًا ولا ويوقفه أي شيء.

✨ في يوم المحاضرة احرص على النوم المبكر وتفقد المسرح، مع التأكد بأنه ليس هناك خللًا تقنيًا سوف يحرجك من أمام الجمهور، ونعم توقف عن الأكواب المتعددة للقهوة، وحاول ألا تأتي وأنت متخم بوجبة تشتت ذهنك عند بداية المحاضرة.

من المهم تذكر أن مهارة التحدث أمام الجمهور ذات قيمة في أي مهنة تقريبًا حتى لو لم تتطلب وظيفتك بشكل صريح تقديم عروضٍ رسمية، فإن القدرة على التحدث بثقة ووضوح في الاجتماعات أو أثناء المقابلات أو عند التواصل مع الآخرين يمكن أن تُحسّن بشكل كبير آفاقك المهنية.

لذا يمكن القول بكل وضوح بأن الشخص في المهنة يحتاج إلى التأثير أو الإقناع أو الإعلام أو الإلهام وإن نجح في ذلك فسوف يمكنه زيادة فرصه في نجاحه المهني لأن تأتي وتطرق بابه عن قصد.

وبعد كل هذه النصائح والتوجيهات، يبقى السؤال الأهم: هل أنت مستعد لتجربة التحدث أمام الجمهور؟ هل أنت مستعد للتغلب على مخاوفك والانطلاق نحو مستقبل مهني مشرق؟

اشترك الآن في نشرتنا البريدية

ترشيحات النشرة

نرشّح لكم حلقة مميزة من بودكاست بترولي، حيث نستضيف الإعلامي ماجد جعفر الغامدي للحديث عن أسرار كاريزما الظهور الإعلامي وتحليل لغة الجسد. تتعمق الحلقة في الفرق بين الظهور المباشر أمام الجمهور والظهور خلف الشاشات، وتقدم نصائح قيمة لتحقيق ظهور هادئ ومقنع. بالإضافة إلى استعراض تأثير لغة جسد الرئيس أوباما على مسيرته، مما يجعل هذه الحلقة مصدرًا غنيًا بالرؤى العملية والملهمة. لا تفوتوها!

هكذا أساعد القيادات على الظهور الإعلامي مع ماجد جعفر الغامدي | بودكاست بترولي

Scroll to Top