عندما ينافس العمل متعة السفر.. كيف نصل لذلك؟
خلال مسيرتي التعليمية لا أتذكر عدد الحصص الدراسية التي استمتعت بها حقًا، كانت تمضية الوقت في أغلب الحصص الدراسية لا تعدو كونها دقائق شديدة البطء، ما يعني لحظات كثيرة يتمكن فيها النعاس منك، ولكي لا تظهر لمعلم المادة عدم اهتمامك، تعدل من جلستك لتبدو مستقيم الظهر، توهمه بأنك حاضرٌ معه، غير أنك جسدٌ بلا تركيز، فخيالك في حقيقة الأمر يسرح بك بعيدًا لأمورٍ تهمك أكثر من الدرس الذي تستمعه مكرهًا.
كان لدي إيمان راسخ في المعلمين عموما بأن لديهم قدرة على استحضار المعلومة والإجابة عليها متى ما طُرح السؤال عليهم، هذه الملكة التي بحوزتهم ليست سوى هبة ربانية حظوا بها دون غيرهم.
فمجموعة الأسئلة التي يتلقونها باستمرار ما هي إلا امتداد لأسئلة الطفل عن الفضاء الذي حوله، ليكون أول المعلمين هم الوالدان، واستمر الأمر حتى المراحل الدراسية وصولا لذلك اليوم الذي لم يتمكن المعلم من الإجابة بقوله «ما أدري!» بعد سؤال أحد الطلاب له، لتنتهي هذه القدسية بضربة قوية في الحصة، مفادها إداركي بمحدودية علم المعلم، كسائر البشر بطبيعة الحال.
لذا في ظني بأن خلق جو من المنافسة داخل الصف الدراسي سوف تعود بالنفع على المنظومة التعليمية إن طُبّقت بتخطيط وأفكار مسبقة وليس بشكلٍ عشوائي. لا زلت أتذكر نبضات القلب التي تتسارع في حصتي الفيزياء والرياضيات بعد وضع المعلم النظرية الأساسية وتطبيقها على مثال حي من الأرقام العشوائية، لتبدأ بعدها سلسلة من الأسئلة التي تتصاعد وتيرتها في مستوى الصعوبة وصولًا لأسئلة ذات طابع تنافسي شديد السخونة والذي لا يحلها إلا النخبة من الطلاب بعد استيعابهم الكلي للنظرية الأساسية وما تخفيه وراءها كذلك من إثارة ليس لها مثيل.
مؤخرًا وفي البيئات التعليمية والمهنية ظهر في السنين الماضية مصطلح يدعى “التلعيب Gamification” وهي طريقة يتم فيها الاستعانة بالألعاب من أجل نقل النظريات من إطارها التجريدي الورقي نحو ساحة الألعاب التفاعلية والتي بدورها تساهم في مشاركة المتعلمين وتحفيزهم لتحقيق الأهداف التعليمية المرجوة حيث يتم تحقيق الغاية الفطرية الإنسانية العميقة في التقدير والمكانة على الصعيدين المؤسسي والتعليمي من الممكن بلوغ مثل هذه الغاية عن طريق الاستعانة بالتقنية التي تضع اللوحات التفاعلية وتشير لمراكز تحققت من قبل الفئة المتعلمة بوجود الشارات، والمكافآت، ومختلف المستويات.
تشير الدراسات بأن اتباع نموذج التلعيب يعني إمكانية تعزيز المشاركة والتفاعل داخل المنظمات التعليمية والمهنية بنسب تصل إلى 100-150% مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى، فاتخاذ مثل هذه النماذج التعليمية بإمكانها تحسين بيئة التواصل الذي تنتهجه المؤسسة، مع تحسين ملكة النقد، والإعتماد على الذات في ممارسة التعلم، فعند معرفة المتعلم لنقاط ضعفه بإمكانه تطويرها مع مرور الوقت، بالإضافة إلى ملاحظة نقاط القوة أيضا وبلورتها في سياقات تخدم رغبات وميول الشخص المتعلم أولا، وكل ذلك لا يمكن تحسينه ما لم يكن هناك مراجعة فورية للنتائج ووضعها على طبق من ذهب للمتعلم والاستفادة منها.
لذا يمكن وصف التلعيب بأن الجسر الذي يربط ما بين النظرية الجامدة مع تطبيقها العملي، فالأرقام تشير بأن سوق التلعيب اليوم وصل إلى 15.43 مليار دولار أمريكي فمن المتوقع أن تكون القيمة السوقية لنموذج التعليب ما قيمته 48.72 مليار دولار أمريكي مع العام 2029 م ، ومثل هذه الأرقام بإمكانها خلق فرص سانحة للمهتمين من رواد الأعمال في تبني المشاريع التي تتعلق بنموذج التلعيب سواءًا في البيئات التعليمة أو المؤسسات المهنية مستقبلًا.