لماذا وسائل التواصل ملائكة لا شياطين؟

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، تعرض علينا ما نحب، وتجذب انتباهنا بالمحتوى الذي يبدو وكأنه صُنع خصيصًا لنا.

يشتكي الكثيرون من أنها تسرق الوقت، وتستخدم أساليب مغرية لإبقائنا متصلين لأطول فترة ممكنة. لكن هل تساءلنا يومًا كيف تعمل هذه الخوارزميات؟ وهل هي حقًا «تسرق» وقتنا، أم أنها مجرد استجابة لما نطلبه نحن بشكل غير مباشر؟

تستند خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي على مجموعة من البيانات حول أنشطتنا وسلوكياتنا على المنصة. فهي ترصد التالي:

الأشخاص الذين نتابعهم: إذا كنتَ تتابع خبراء في مجال معين، أو فنانيين، أو رياضيين، فإن الخوارزميات ستقدم لك محتوى مشابهًا.

البحث عن المواضيع: كل موضوع نبحث عنه أو نتفاعل معه يُعدّ شارةً لما نحب.

الوقت الذي نقضيه على أنواع معينة من المحتوى: إذا كنتَ تقضي وقتًا أطول في مشاهدة فيديوهات السفر مقارنة بالأخبار، فستعرض لك المزيد من مقاطع السفر، وتخفي عنك الأخبار.

تعتمد الخوارزميات على تكرار هذه الأنماط، ثم تقوم باقتراح المزيد من المحتوى الذي يتماشى مع اهتماماتنا الحالية، مما يجعلنا نشعر بأنها تقرأ أفكارنا، والحقيقة هي أنها تقوم بتحليل اهتماماتنا بشكل دائم.

نأتي الآن للسؤال الأهم، هل وسائل التواصل الاجتماعي تسرق وقتنا؟

هناك شكاوى واسعة تتهمُ منصات التواصل بسحبنا  إلى دوامة من الإدمان وتضييع الوقت. لكن دعونا نتساءل: هل المشكلة في هذه المنصات والخوارزميات، أم فينا؟

كثيرًا ما نقضي ساعات طويلة دون أن نشعر، غير أن عدم إحساسنا بالوقت يعود إلى أننا ننجذب لما نحب. فهل نلوم المنصات التي جلبت لنا ما نريد؟

إذا نظرنا إلى الجانب الآخر، سنجد الخوارزميات أداة فعالة تجعل الوصول إلى المعلومات أسرع وأسهل.

في الماضي، كنا نقضي ساعات وربما أيامًا في البحث عن معلومة معينة، أو منتج مناسب. أما الآن، فبمجرد كتابة الكلمة المناسبة أو البحث عن موضوع ما، تنهال علينا الاقتراحات والعروض والمعلومات التي تتعلق بما نريده، بفضل هذه الخوارزميات.

أحد الأصدقاء مثلاً يقول: إنه يسمح بتتبع نشاطاته عبر التطبيقات والمواقع، لأنه يرى فائدة في عرض محتوى يناسب اهتماماته، سواءًا كان ذلك عروضًا تسويقية أو أي محتوى آخر. إذًا يمكن القول أن الخوارزميات تختصر علينا وقتًا وجهدًا كان يمكن هدره في بحث طويل!

من المثير للاهتمام أن وسائل التواصل تذكرنا باهتماماتنا، فهي دعوة لنكتشف المزيد عن أنفسنا وأين نقضي وقتنا، وما هي الموضوعات التي تجذبنا.

قالوا قديمًا «قل لي من تصاحب أقل لك من أنت» والآن نستطيع القول «قل لي من تتابع أقل لك من أنت». ربما علينا أن ننظر إلى وسائل التواصل والخوارزميات كمرآة تعكس ما نبحث عنه ونرغب فيه،  لا كيانات خفية وشياطين تحاول سحبنا للهاوية، وتريد إضاعة أوقاتنا وسرقة أعمارنا!

ليست المسألة ضياع الوقت أو استغلاله فحسب، بل هي وعي وإدراك.  نستطيع اتّخاذ الخوارزميات وسيلةً للتطور، أداةً للتعرف على اهتمامات جديدة، أو حتى لنفهم أنفسنا بشكل أعمق.

وكما يُقال «أنت ما تقرأ» يمكن القول «أنت ما تتفاعل معه» وفي النهاية يبقى الخيار في أيدينا.

Scroll to Top